الأعمال العظيمة تبدأ عادةً بفكرة، والمجلس الأولمبي الآسيوي بدأ بفكرة مـن وحي بنات أفكار الشهيد الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح، وانتهى بتحويله الي مؤسسة رياضية عملاقة تُدار مـن الكويت.

ولأن النخلة والبحر عاملان كبيران مـن عوالم الحضارة والوعي والتنمية الروحية المستدامة، شكلا وعي الشهيد الشيخ فهد الأحمد، فقد حمل الرجل جينات خير النخلة وعطاء البحر بين جوانحه، فنفخ مـن روحه المتوثبة فى نخلة المجلس الأولمبي الآسيوي، فأنتجت أسرابًا مـن نخيل تستظل تحت ظلالها مؤسسة عملاقة تضم أكثر مـن 46 دَوْلَةٌ.

وإذا كان الشهيد الشيخ فهد الأحمد يبدو مثل الساعة البيولوجية المركبة فى جسد المجلس الأولمبي الآسيوي منذ المهد، فإن أبناءه استلهموا مـن روحه حتمية منح هذا المجلس قبلة الحياة، فكان خلفه الشيخ احمد الفهد ميقاتيًا زئبقيًا صان أمانة الشهيد، وهو يجسد حقيقة أنه عامل كيميائي زاد مـن سرعة التفاعلات والوظائف الحيوية للمجلس الأولمبي لأكثر مـن عشرين عَامًٌا.

تقاعد الشيخ احمد الفهد تحت ضغط سنة التغيير، وكان عليه ان يفسح المجال امام ثقافة التعبير ديمقراطيًا، فجاء انتخاب الشيخ طلال الفهد فى بانكوك انتصارًا لقيم وعطاء الشيخ الشهيد ونجله، ولو لم يفعل الآسيويون غير هذا لكانوا مـن الظالمين.

بالتأكيد لست محظوظًا إذا لم تكن قد تابعت تفاصيل السباق على مقعد رئاسة المجلس الأولمبي الآسيوي فى بانكوك، ليس لأن السباق بين المرشحَين الكويتيَين الشيخ طلال الفهد والأستاذ حسين المسلم كان ساخنًا مليئًا بدراما التقلبات التى تحبس الأنفاس، ولكن لأن الصراع الذى كان أخلاقيًا بين الطرفين انتهى بعناق حار بين الفائز والخاسر، فى صورة ارتقت بالديمقراطية الحقيقية.

وصحيح ان السباق بدا فى أوقات كثيرة هادئًا خاليًا مـن الإثارة الهتشكوكية، غير ان السباق احتدم كثيرًا فى الأيام الاخيره، مما جعل المنافسة بين الشيخ طلال والأستاذ حسين أقرب الي معركة، استخدم فيها الطرفان نفوذهما قاريًا، لكن مـن دون اللجوء الي سياسة الضرب مـن تحت الحزام.

واللافت للنظر فى نتيجه الانتخابات الساخنة ان التكافؤ كان واضحًا بين الطرفين، ولولا الجزئيات الصغيرة التى تفنن فى استثمارها السلف الشيخ احمد الفهد لمصلحة شقيقه بحكم خبرته الطويلة فى فنون التكتيك الانتخابي، لوجد الناخبون صعوبة فى تفضيل هذا على ذاك.

فـاز الشيخ طلال الفهد على الأستاذ حسين المسلم بـ24 صوتًا مقابل 20، فـوز دراماتيكي بفارق ضئيل جاء بعد لحظات عصيبة لم يكن يتصورها المنافس حسين المسلم.

أعجبني فى هذه الانتخابات الاستثنائية بحق وحقيقة ان القارة الصفراء رغم أنها انقسمت بين المتنافسَين الكويتيَين، فإن هذا الانقسام الحميد وضح عَنْ حجم ومكانة الشيخ طلال الفهد والأستاذ حسين المسلم قاريًا، ولعل الشيخ طلال أدرك مكانة منافسه، فاختاره نائبًا فخريًا، فى بادرة أخوية تنم عَنْ معدن وأصالة الفائز، ستمنح ولا شك العمل الأولمبي بُعدًا فلسفيًا جديدًا يصب فى خانة تفعيل كل قنوات المجلس بحركة مصحوبة بالبركة.

فى تصوري ان الأستاذ حسين المسلم بعد خبرة عمل دامت لأكثر مـن 40 عَامًٌا، عاصر فيها لحظة مخاض المجلس الأولمبي مع الأب الشرعي لهذا المجلس الشهيد فهد الأحمد، ثم كان أحد ابرز عوامل نموه وترعرعه فى كنف الشيخ احمد الفهد، لن يأخذ على خاطره أو يتذمر مـن النتيجة، لأنها بالفعل كانـت عادلة ومنطقية، أنصفت تضحيات الشهيد فهد الأحمد فى قبره.

لقد كان الشيخ طلال الفهد ذكيًا فى تعاطيه مع الانتصار الصعب على بلدياته، ليس لانه قدّر مشاعر منافسه فحسب، ولكن لانه ببصيرته ووقاره، كان واقعيًا وهو يشكر مـن صوتوا له، ويتعهد بالعمل والعطاء لكسب ود الذين لم يصوتوا له.

ولا أرى الشيخ طلال الفهد إلا صادقًا وهو يستقبل صفحة بيضاء جديدة مع الجميع، فاتحًا الباب امام كل مـن يريد فى تقديم إضافة للعمل الأولمبي الآسيوي، فالشيخ طلال لم يتبرم مـن الذين رفضوا الصويت له، ولم يقل فيهم ما قاله أمير الشعراء احمد شوقي فى عامية بيرم التونسي، لكنه وعد بالرد عمليًا دون تصفية حسابات مع اى جهة.


ومن يقول إن الأستاذ حسين المسلم كابر وعاند وتحدى ولم ينسحب امام طوفان معسكر الشيخ طلال مخطئ تمامًا، مـن منطلق ان إصرار المسلم على المنافسة بشرف وأمانة دون التخلي عَنْ أنصاره فى القارة حتـى آخر نفس، عمل ديمقراطي وحيد يستحق الإشادة.

أصدقكم القول إن العبد لله سعيد و”آخر انبساط” مـن استمرار المجلس الأولمبي الآسيوي فى عهدة أسرة الشهيد فهد الأحمد، وشعوري هذا لا يُفسَر على أنه تعصب للشيخ طلال، لكنه يتناغم تمامًا مع كفاءة ومؤهلات هذا الرجل الذى صقلته التجارب والعبر، وبصماته على الرياضة الكويتية -رغم ما ترصد له مـن حروب طاحنة- لا ينكرها إلا جاحد.

ومثلما أنا معجب بشخصية الشيخ طلال وحجم خبراته الإدارية المتراكمة، لا شك أيضًا أنني معجب كثيرًا بهذا الكويتي النابه فى مجال الإدارة الرياضية الأستاذ حسين المسلم، الذى يتبوأ مناصب دولية وقارية رفيعة ترفع رأس كل كويتي صفق لفوز الشيخ طلال.

بعض الذين يضيقون ذرعًا بالديمقراطية البناءة تحت مبرر أنهم يتعرضون للإحراج وتدخلات فوقية، كانوا يتمنون انسحاب أحد المرشحين كي تحتكر التزكية المشهد، على قاعدة كفى الله المؤمنين شر القتال، لكن أصحاب هذا الطرح تواروا خجلًا وكسوفًا امام العرس الديمقراطي الفريد، الذى انتهى بتهنئة الخاسر للفائز بكل روح رياضية.

وكم كان مشهد الانتخابات فى بانكوك جميلًا وحضاريًا ومنضبطًا، راعى خصوصية العيش والملح، بدليل ان عملية التصويت جرت فى أجواء مثالية دون ضجيج أو طعون أو صراخ، فى موقف أعلن ان دَوْلَةٌ الكويت الرائدة فى مجال الديمقراطية قدّمت للعالم درسًا يجب على الجميع استيعابه.

تأملت السيرة الذاتية للشيخ طلال بعناية، وقرأتها حرفًا حرفًا، وقادتني تأملاتي نحو سؤال كثير مفاده: لماذا لا يكون عندنا عَدَّدَ أكبر مـن هذا الرجل الصنديد الذى لا تلين عزيمته، حتـى لا يبقى وحيد زمانه؟ 

وعفوًا يا سادة، أنا لا أبخس الآخرين فى آسيا بيارقهم، ولكن ما يفعله الشيخ طلال جدير بالتأمل والمناقشة.. لقد كسب الشيخ طلال معركته الآسيوية بكل اقتدار، تمامًا كيفما كسب المزيد مـن القضايا الرياضية الشائكة فى الكويت، لأن له أسلوبه الخاص فى رسم الهدف والسعي الي تحقيقه.

كَمَا ان “كاريزما” الشيخ طلال مؤثرة ونافذة، بالإضافة الي أنه رجل مثقف وملتزم دائمًا بتطوير مداركه ومعارفه، فهو دائم المطالعة والقراءة المتعمقة فى المجال الإداري ومتغيراته.

وأكثر ما يثير الإعجاب فى شخصية رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي الجديـد، حضوره الذهني المتوقد، والشحذ المستمر للذاكرة، والجرأة فى اتخاذ القرارات المصيرية دونما اعتبار للمجاملات.

ويا زملاء وأصدقاء الشيخ طلال لا تتذمروا مني لأني وضعت سليل الحسب والنسب وابن (الريايل) فى مكانة خاصة، فالأمر لا يعدو كونه مجرد تذكير بحاجتكم لأن تغبطوه، ولا أقول تحسدوه.

المجلس الأولمبي الآسيوي.. مـن المهد الي طلال الفهد